عرضٌ موجز لطرق ترتيب المعاجم العربية | د. محمد خالد الفجر

ترتيب المعاجم يعد الآلية التي تميز معجما عربيا عن آخر، بل معجما عالميا عن الآخر، وتعد صنعة المعجمية بارزة في هذا الميدان، حيث يتفنن صناع المعاجم في طرق عرض المواد وتسهيل الوصول إليها، والضامن لهذا الشيء -وهو سهولة وصول المستعملين للمعاجم إلى المعلومة التي يطلبونها-  طريقة الترتيب المتبعة في تصنيف المعجم، وطبعا اختلف الأمر في زمننا مع وجود محركات البحث الحديثة التي تستعمل في الحواسيب، حيث تستطيع الوصول إلى الكلمة التي تريدها عن طريق كتابة الكلمة في حقل البحث، ولكن مع هذا تجد أن هذه التقنيات لم تغفل جانب الترتيب الداخلي ضمن الكلمة أو المدخل المعجمي، فتجد مثلا كلمة كتب، متبوعة بخيارات لتقرأ معانيها مثل كاتب ومكتوب أي اشتقاقات (كتب)، أو تجد سياقات استعملت فيها الكلمة أو مسارات تنقلك إلى تقلبات لغوية للكلمة من مثل عكسها ومرادفها ومعناها البلاغي، وهذا كله يؤكد أن الترتيب حاضر حتى في المعاجم المبرمجة حاسوبيًّا. وسنعرض لكم في هذا المقال الموجز تعريفا بطرق الترتيب التي اتبعها مصنفو المعاجم العربية.

ينتمي الترتيب إلى القسم الثاني من قسمي صناعة المعاجم، وهو قسم الوضع، الذي يتكوَّن منه ومن التعريف.

ويُمثِّل الترتيب الصورة النهائية للمعجم، و تتجلى أهميتُه في أمرين: الأول تيسير طرق الوصول إلى معنى الكلمة، والثاني إحكام وضع المادة اللغوية التي جمعها المعجمي؛ ولذلك تنوعت طرقه منذ الإرهاصات الأولى للعمل المعجمي وحتى أيامنا المعاصرة، فالمعجميون منذ القديم وحتى الآن يحاولون إيجاد طُرقِ ترتيبٍ لمعاجمهم تخدم مستعمل المعجم من ناحية، وتُسهِم في إحكام تدوين مواد المعجم من ناحيةٍ أخرى،  فهو كما قال الدكتور حلمي خليل: “يمثل الخطوةَ الحاسمة في هذا الفن (صناعة المعجم)”([1]).

مدارس الترتيب المعجمية:

ولهذا رأينا مَن دَرَس المعاجم العربية يقسِّمها إلى مدارس متنوعة بحسب طرق الترتيب التي اتُّبعت فيها؛ إذ جعل كلَّ طريقةٍ في ترتيب المعاجم مدرسةً قائمةً بنفسها، ودافعه إلى تبني هذه الرؤية تنوع مناهج العرب في ترتيب معاجمهم؛ فقد بدؤوا ترتيب المواد وفق مواضيع تختص بأحد المجالات التي عاشوها أو ارتبطوا بها فوُجدت رسائل الخيل والنبات والأنواء…إلخ، ثم رُتِّبت المواد استنادًا إلى نطق الحروف التي أبدعها الخليل في كتاب العين، ثم جاءت طرق الترتيب الألفبائيَّة بشكلين: بحسب الأوائل كما في كتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني([2]) (ت 206 هــ)، وبحسَب الأواخر كما في صِحاح الجوهري (ت 212 هــ)، ووُجدت معها طريقة الترتيب استنادًا إلى المجالات الدلالية، ومثالها معجم الغريب المصنّف للقاسم بن سلاَّم([3]) (ت 224هــ)، وكانت هذه الطرق متبعةً في المعاجم العامة، ثمَّ ظهرتِ المعاجم المختصة فلم تبتعد عن طرق الترتيب التي اتُّبِعت في المعاجم العامة، ويمكن القول: إنها كانت سائرةً على خُطى الترتيب الذي كان متبعًا في المعاجم العامة، وهذا ما سيُبَيَّن في هذا المبحث، وسأقوم بتقسيم الترتيب قسمين اثنين خارجيٍّ وداخليٍّ:

  • الترتيب الخارجي:

   والمقصود بالترتيب الخارجي: طريقة ترتيب مداخل المعجم، ويسميه المعجميون المعاصرون”التركيب الأكبر The macrostructure ([4])  ويشمل:

  • الترتيب بحسب المخارج:

كانت هذه الطريقة هي أولى طرق الترتيب في أول معجم عربي وهو العين المنسبوب للخليل بن أحمد الفراهيدي، وتبعه في هذه الطريقة عدد من المعاجم، مثل البارع في اللغة للقالي، وتهذيب اللغة للأزهري.

وتقوم الطريقة على ترتيب المعجم بحسب المخرج الصوتي للحروف.

  • الترتيب الألفبائي:

المقصود بالترتيب الألفبائيك الترتيب الذي يراعى فيه الألفباء العربية في ترتيب كلمات المعاجم، ويقسم إلى نوعين:

ترتيبٌ بحسب الأوائل:

ومن المعاجم العربية التي رتبت ترتيبا بحسب الحرف الأول لجذر الكلمة أساس البلاغة للزمخشري.

ترتيبٌ بحسب الأواخر:

ومن المعاجم العربية التي سارت على هذه الطريقة في ترتيب كلماتها نجد:

تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، لسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي.

2- الترتيب الموضوعي (المنظومي- Systemically):

يكون فيه الحقل العلمي هو الأساس في الترتيب؛ من أجل الحفاظ على العلاقة بين سلسلة الكلمات أو المصطلحات التي تعود إلى حقل علميٍّ واحد، ويحرص المعجميون على الترابط المفهومي بينها.

ومثاله معجم المخصص لابن سيده الذي رتّب معجمه بناء على المواضيع أو الحقول، وكانت نواة هذه الطريقة قد بدأت مع الرسائل اللغوية التي كانت ممهدة للمعاجم العربية بجميع أنواعها. ومن تلك الرسائل رسائل النبات، والخيل، …إلخ

ــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

([1]) د. حلمي خليل، مقدمة لدراسة التراث المعجمي العربي، ص 118.

([2])إسحاق بن مرار الشيباني بالولاء، من علماء اللغة والأدب، من رَمادة بالكوفة، غلب عليه النوادر وحفظ الغريب وأراجيز العرب. من تصانيفه: (كتاب الخيل) ومعجم(الجيم) و(غريب الحديث) … إلخ. تُنظر ترجمته في: ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج1/ 201-202، والزركلي، الأعلام، ج1/ص 296.

([3]) القاسم بن سلّام الهَرَوي الأَزْدي الخُزاعي، بالولاء، الخُراساني البغدادي، أبو عُبَيد: من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه.من أهل هراة. ولد فيها سنة 157 للهجرة، وتعلم بها.وكان مؤدِّبًا.  ورحل إلى مصر سنة 213 وإلى بغداد، فسمع الناس من كتبه. وحج، فتوفي بمكة. من كتبه “الغريب المصنَّف”، و” الأجناس من كلام العرب ” و”أدب القاضي “، و “فضائل القرآن” و ” الأمثال”، و” المذكَّر والمؤنَّث”، و” المقصور والممدود” … الزركلي، الأعلام، ج5/ ص176.

([4]) د. أحمد مختار عمر، صناعة المعجم الحديث، ص 98.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك (الكوكيز). بمواصلة تصفحك للموقع سنفترض أنك موافق سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع. موافق قراءة المزيد