المعاجم المختصة (المصطلحية) تعريف بها وباختلافها عن المعاجم العامة | د. محمد خالد الفجر

اللغة بشكل عام مادتها الأساسية هي الكلمات هي المادة الخام التي تكون الرسائل اللغوية التي نتفاهم بها، وبسبب محدوديتها فقد استعملت في ميدانين ميدان الحياة العامة والحياة اليومية، وميدان العلوم فكونت المصطلحات العلمية التي تمثل الرسائل اللغوية التي يتواصل بها علماء حقل معين من حقول المعرفة.

يَقسّم المعجميون المعاجم إلى: معاجم عامة ومعاجم مختصة، ويتمُّ التفريق بين النوعين استناداً إلى لغة كلِّ واحدٍ منهما، فإذا كان الأول يمثل لغة المجموعة اللغوية بجميع أطيافها وفئاتها، فإنَّ الثاني(المعجم المختص) يختص بلغة فئةٍ من النَّاس يجمعهم حقلٌ علميٌّ واحد له مصطلحاتُه الخاصة.

ما هي المعاجم المختصة:

أقرب تعريفٍ للمعجم المختص هو ما ذكره الدكتور حلام الجيلالي؛ إذ عرّفه بقوله: “ديوانٌ لمجموعةٍ من المفردات أو المصطلحات تنتمي إلى حقلٍ معرفيٍّ واحد، أو إلى مجالٍ من المجالات مرتبةً ترتيبًا ألفبائيًا أو مفهوميًا، ومعرَّفةً تعريفًا اصطلاحيًّا آنيًّا”([1]).

ويتفرع المعجم المختص فرعين اثنين:

  • المعجم المختص بمصطلحات حقل علمي واحد.
  • المعجم المختص بمصطلحات عدة حقول علمية.

فالمعجم المختص بحقل علميٍّ واحد هو الذي: “يعالج قسماً واحداً من المفردات ويختص بأحد فروع المعرفة …. وهدفه مساعدة القارئ على معرفة معاني لغة حقل معيّن من حقول المعرفة ومصطلحاته”([2]). أما المعجم المختص متعدد الحقول فهو المعجم الذي يعالج أقساماً من المفردات المرتبطة بفروع المعرفة، وهو يتَّحد مع المعجم المختص بحقلٍ واحدٍ في الغاية منه ألا وهي شرحُ معاني الكلمات المختصة (المصطلحات)، ولكنه ليس محصورًا بشرح مصطلحات حقلٍ علميٍّ واحد، بل مصطلحات عدة حقول علمية، فيمتاز هذا النوع من المعاجم بتغطيته لعدد كبير من الحقول العلمية، إلا أنه يعاني من عدم قدرته على إيراد كل ما يتعلق بمصطلحات العلوم، وذلك لكثافة المواد المجموعة فيه.

والدور الرئيسي الذي تؤديه المعاجم المختصة بنوعيها هو تيسير فهم مفاتيح أي علمٍ كما عبر عن ذلك الخوارزمي إذ جعل المصطلحات مفاتيح للعلوم بكافة ميادينها([3]). فهي كما يقول أحد الباحثين المعاصرين: “تدرِّب السامع على فهم مسائل العلم من طريق مصطلحات العلم التي يلتئم منها معجم العلم”([4]).

إرهاصات المعجم المختص في التراث العربي:

ولم يخل تراث العرب من إسهامٍ لهم في هذا المجال من مجالات التصنيف المعجمي، بدأت إرهاصاته مع بداية التَّدوين اللغوي، وتتمثل هذه الإرهاصاتُ بالرسائل اللغوية التي كان يجمعها عددٌ من اللغويين في أواخر القرن الثاني الهجري، مثل: الرسائل التي عُنونت بــــــ “الخيل” و”النبات” و”الشجر”.

ولم يظهر معجمٌ مختصٌّ كاملٌ حتى القرن الثالث الهجري، ومثَّل ظهوره نقلةً نوعيةً في مستوى المعرفة العربية الإسلامية؛ لأنَّ أبسط تعريفٍ للمعجم هو عرضٌ لمخزون مستعملي اللغة من الكلمات، فتصنيف معجم للمصطلحات يعني أن العلم صار له مخزونٌ في العقلية الثقافية العربية، ونضوج العلم في الحضارة العربية تجلَّى في القرن الثالث للهجرة، وهذا يعلِّل تأخر ظهور هذا النوع من المعاجم.

ولكنَّ المشكلة هي اختلاف المعجميين المعاصرين في إطلاق سمة المعجم المختص على التراث المعجمي العربي فهل كلُّ معجمٍ مختصٍّ بمجال من المجالات يُسمَّى معجمًا مختصًّا؟ أم  أنَّ المعجم المختص هو المعجم الذي جُمعت بين دفتيه مصطلحات العلوم؟

بعض المعجميين العرب المعاصرين يرون أنَّ المعاجم التي خُصِّصت لمصطلحات العلوم معاجم مختصة، وكذلك المعاجم التي خُصصت للأعلام أو للكتب، ومثال ذلك ما ذكره الدكتور الجيلالي؛ الذي وضع مسردًا للمعاجم المختصة جمع فيه معاجم المصطلحات ومعاجم الكتب وغيرها على النحو الآتي:

  • كتاب إحصاء العلوم، للفارابي محمد أبي نصر (ت 399هـ).
  • الفِهرست، لابن النديم محمد أبي الفرج (ت 380هـ).
  • الفِهرست، لابن خير الإشبيلي (ت 385هـ).
  • مفاتيح العلوم، للخُوارمي الكاتب (ت 387).
  • الإكمال في الألقاب، لابن ماكولا الأمير سعد الملك (ت 486هـ).
  • أساس البلاغة، للزمخشري (ت 538ه).
  • المعرّب من الكلام الأعجمي، لأبي منصور الجواليقي (ت 539ه).

يلاحظ من المسرَد السابق أنَّ الدكتور الجيلالي جعل المعجم المختص ينتمي إلى مجموعاتٍ متنوعة وهي:

ألفاظ: مثالها (المعرب).

مصطلحات: مثالها (مفاتيح العلوم).

أعلام: مثالها (الفِهرست).

مؤلفات: مثالها (الفهرست)([5]).

وهناك رأيٌ آخر يرى أنَّ المعجم المختص يتوزع على المعاجم الموسوعية والمعاجم الفنِّيَّة العلمية، وقد سار على هذا الرأي الدكتور جواد سماعنة الذي بيّن أنَّ التراث المعجمي العربي يُقسم إلى الآتي:

  • معاجم الموضوعات العامة

مثالها: (الغريب المصنَّف للقاسم بن سلام)

ب- المعاجم الموسوعية الاصطلاحية

مثالها: مفاتيح العلوم للخوارزمي ( 380هـ )

كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (توفي بعد 1158هـ )

جـ – المعاجم الفنيَّة المختصة:

مثال: كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية للرازي ( 322هـ )

د   – المعاجم العلمية المختصة:

1-  معاجم علمية محضة

مثالها: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار ( 664هـ )

2- مؤلفات ذات طابع معجمي

مثالها: المهذَّب في الكحل المجرب لابن النفيس ( 687 هـ )

القانون في الطب لابن سينا”([6]).

والمعاجم التي سنمثل عليها في هذا البحث ينطبق عليها مصطلح (المعاجم المختصة)، أو ما يُعرَف حديثًا بالمعاجم المختلطة: Mixed Dictionaries)) أو المعاجم المتعددة الحقول(Multi-Field Dictionaries)  وهو المصطلح الذي أرى أنه الأقرب لمفهوم المعاجم التي تكون مختصة بمصطلحات علوم متعددة وبما أنه لا نستطيع الإحاطة بكل ما أنتج في التراث العربي من معاجم مختصة، وإنما خُصصت لنوعٍ واحدٍ وهو المعاجم المختصة المتعددة الحقول.

ولم أُدْرج  رسائل إخوان الصفا، وكتاب إحصاء العلوم للفارابي، وجوامع العلوم لمغتبي بن فريعون؛ لأنَّ المعاجم السابقة لم تكن مكرَّسة لمصطلحات العلوم بل كانت مهتمةً بالتعريف بالحقول العلمية كما في إحصاء العلوم، وجوامع العلوم، أو بقضايا فلسفيةٍ ونصائح ومواعظ كما في رسائل إخوان الصفا، ويُضاف إلى ذلك شيءٌ مهم وهو أن مفاتيح العلوم يُعدُّ المعجم الأوّل الذي سار وَفق طريقة التصنيف العربي للعلوم ومصطلحاتها، دون التأثر باليونان كما حدث في إحصاء العلوم للفارابي.

ووجد من الباحثين من أطلق على بعض المعاجم المدروسة مصطلح الموسوعة، ولكنْ هناك اختلافٌ بين الموسوعة والمعجم، وقد عرض الدكتور حلام الجيلالي الفرق بين المعجم والموسوعة نقلاً عن جان دي بو (J.Dubois) وَفق الجدول الآتي:

+ موسوعة – نظام لساني = موسوعة
+ موسوعة + نظام لساني = معجم موسوعي
– موسوعة + نظام لساني = معجم لغوي

علَّق الدكتور الجيلالي موضحًا ما ورد في الجدول السابق بقوله: “ومعنى الموسوعة في تحديد (دي بوا) هي المعلومات الثقافية التي تتصل بالمدخل والتعريف بما في ذلك : (الأعلام، والأشياء، والآثار…)، ومعنى النظام اللساني: ما يتّصل بالمدخل من معلوماتٍ: (صوتيةٍ، وصرفيةٍ، واشتقاقيةٍ، ونحوية)([7])

فإذا طُبِّق الكلام السابق على المعاجم موضوع البحث تبيّن أن شروط الموسوعة لم تتحقق في المعاجم المذكورة آنفًا، فمعظمها احتوى معلوماتٍ صوتيةً وصرفيةً، واشتقاقيةً، ونحويةً، وهذا يعني أنَّ النظام اللساني متحققٌ فيها، وهذا يجعلها منتميةً للمعجم لا الموسوعة.

وتقوم الدراسة المعجمية على قسمين اثنين:

 الأول: الصناعة المعجمية (Lexicography) ويقابل هذا المصطلح في دراسة المعجمات المختصة مصطلح (.(Terminography

الثاني: دراسة الوحدات المعجمية ((Lexicology، و يضع المختصون بعلم المصطلح مقابلًا له هو (Terminology).

وسأعتمِدُ المصطلحين المشهورين في حقل الدراسات المعجمية أي : الصناعة المعجمية/القاموسية/ (Lexicography)، ودراسة الوحدات المعجمية أو ما يطلق عليه اليوم  (Lexicology).

([1]) د. حلام الجيلالي، “المعجم العربي القديم المختص مقاربة في الأصناف والمناهج” ، ص 52.

([2]) انظر: د. علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، ص 46.

([3]) انظر: الخوارزمي، مفاتيح العلوم، ص3.

([4])  فرحات الدريسي، “الرسائل العلمية مصدر من مصادر المعجم العربي المختص”، ص 85.

([5]) يُنظر: د. حلام الجيلالي، “المعجم العربي القديم المختص مقاربة في الأصناف والمناهج”، ص 57-58. وقد رسم الدكتور الجيلالي مخططًا توضيحيًّا قسَّم فيه المعجم المختص إلى عناوين أربعة: (ألفاظ، مصطلحات، أعلام، آثار) ثم وضع تحت كلِّ عنوان فروعًا يجمعها العنوان العام.

([6])  د. جواد حسني سماعنة، الخصائص العامة لمعاجم الموضوعات، ص 144.

[7]  د. حلام الجيلالي، “المعجم العربي القديم المختص مقاربة في الأصناف والمناهج” ، ص 52.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك (الكوكيز). بمواصلة تصفحك للموقع سنفترض أنك موافق سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع. موافق قراءة المزيد