اللغوي الدلالي الألسني ابن جني نظرة في حياته وإنتاجه العلمي

عرف التاريخ اللغوي العربي علماء كثرا كتبوا ودوّنوا في ميدان العلوم اللغوية، ولكن أسماء المتميزين الذين كانوا أصحاب مدرسة في دراسة النص اللغوي، يمكن أن نقول إنهم معدودون ليس في ميدان العربية وحسب، وإنما في مجال علوم اللغات المتعددة؛ لأن هناك فرقا بين عالم يكتب ويتبع طريقة عالم آخر، وبين عالم يكون صاحب مدرسة فريدة في كتابته وتحليله لأهم منتج إنساني وهو اللغة.

واليوم سنقف مع عالم لغوي تمتع بهذه الصفات، ألا وهو أبو الفتح عثمان بن جني، الشخصية التي استحقت الاهتمام والدراسة من قبل مجموعة كبيرة من الدارسين والباحثين. فقد وصفه الثعالبي في يتيمة الدهر بأنه: “القطب في لسان العرَب وَإِلَيْهِ انْتَهَت الرياسة فِي الأَدَب، وَصَحب أَبَا الطّيب (المتنبي) دهرا طَويلا وَشرح شعره ونبّهَ على مَعَانِيه وَإِعْرابه، وكانَ الشّعْر أقلّ خلاله لعظم قدره وارتفاع حَاله”.

وقفة مع نشأته وأثرها في تكوين عقليته:

يرجع نسبه إلى الروم، فأبوه جني كان مملوكا روميًّا لسليمان بن فهد الأزدي، وكان ابن جني يحاول أن يدفع أي نظرة دونية تتعلق به وبنسبه وروى في ذلك شعرا يؤكد حساسيته من موضوع العنصرية الذي ربما أظهره له بعض الرعاع، فقال مادحًا نسبه:

فإن أصبح بلا نسبٍ … فعلمي في الورى نسبي
على أني أؤول إلى … قرومٍ سادة نجبِ
أولاك دعا النبي لهم … كفى شرفاً دعاء نبي

عاش في فترة حكم البويهيين، وعاصر منهم: عضد الدولة، وولده صمّام الدولة، وولده شرف الدولة…

تأثر جدّا بأستاذه أبي علي الفارسي من أكابر علماء النحو في القرن الرابع الهجري، وتروي كتب اللغة والسير أن لقاءه به كان نتيجة ردة فعل من أبي علي الفارسي على موقف تعرّض له في صباه، وعندما حضر مجلس ابن جني قال له: “تزبّبت وأنت حصرم”  كناية عن بدئه بالتعليم وأنه مازال غير مؤهّلٍ له. ونتج عن هذا اللقاء ملازمة ابن جني لأبي علي الفارسي وأصبح من أقرب تلاميذه إليه. حيث لزمه 40 سنة وخلفه في التدريس في بغداد.

وفي حياته العلمية أكثر ما تميز به من ناحية الأدب هو شرحه لشعر المتنبي، حتى روى الأدباء أن المتنبي قال عنه: “ابن جني أعلم بشعري مني”. وكان لمكانته عند أبي الطيب أنه إذا سئل عن بعض استعمالاته اللغوية، يقول: لو كان هنا ابن جني لأجابك. كما في بيته “بادِ هواكَ صَبَرْتَ أم لم تصبِرا”

حيث سأله احدهم عن سبب إبقائه للألف في تصبرا مع أنه مسبوق بلم الجازمة، فقال المتنبي: “لو كان أبو الفتح هاهنا لأجابك”.

وكان ابن جني يقف وقفات مع أبيات برع في قولها المتنبي، فمثلا عند وقوفه على قول المتنبي:

لَا يسلم الشّرف الرفيع من الْأَذَى … حَتَّى يراق على جوانبه الدَّم

علّق ابن جني على هذا البيت بالقول: “أشهد بِاللَّه لَو لم يقل غير هذا البَيْت لتقدَّمَ بِهِ أَكثر المُحدثين”.

امتاز بعقلية تقوم على تفسير الأمور والإجابة عن أسئلة مفترضة كما في كتابه الخصائص، وكان ينظر إلى اللغة كمجموع يكمل بعضه بعضا، فشخصيته الألسنية التحليلية لتركيب اللغة العربية صوتيا وصرفيا ونحويا ومعجميا تجلّت بشكل واضح في كتابه الخصائصن، حيث يمكن أن نقول إن هذا الكتاب كان كاشفا عن شخصيته العقلية والفكرية وطريقة تعامله مع اللغة منتجا إنسانيا، ولهذا وجدنا كثيرين يرون أن في آرائه في هذا الكتاب كثير من التوافق مع ما ظهر من نظريات ألسنية في الزمن المعاصر.

توفي -رحمه الله تعالي- سنة 392 للهجرة.

وقفة مع إنتاجه العلمي:

تنوعت المجالات اللغوية أو الإنتاجات اللغوية التي كتب فيها ابن جني وكان مبرّزًا فيها وسنقف هنا مع ثلاثة من إنتاجاته العلمية التي امتاز بها على أقرانه، وحفظت على مر القرون والأعوام، وهناك من رأى أنه امتاز في ميدان الصرف، فقد قال الأنباري صاحب كتاب نزهة الألباء في طبقات الأدباء: “ولم يكن في شيء من علومه أكمل منه في التصريف، فإنه لم يصنف أحد في التصريف، ولا تكلم فيه أحسن ولا أدق كلاماً منه”

  • الخصائص:

  • سرّ صناعة الإعراب:

  • الفَسر:

  • المُحتسب:

تعد هذه الكتب من أهم إنتاجاته العلمية التي وصلت إلينا، وسنفرد لها حديثا قريبا إن شاء الله نبين فيه ما تميز به كل كتاب والميدان الذي ينتمي إليه.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك (الكوكيز). بمواصلة تصفحك للموقع سنفترض أنك موافق سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع. موافق قراءة المزيد