اللغة هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم هذا التعريف الذي أطلقه ابن جني في كتابه الخصائص مازال يسير مع الأيام، ويتداوله اللغويون العرب في المشرق والمغرب، واللغة بحد ذاتها ما هي إلا رسالة بين مرسل ومتلقٍ، وهذه الرسالة كلما كانت ذات صلة أو لنقل موافقة لقاعدة لكل مقام مقال، أدت وظيفتها المطلوب، وفي مجال النشر اللغوي نحن بأمس الحاجة إلى الكتابات اللغوية التي تؤدي هذا الغرض وتحققه على أكمل وجه.
بل إنه يمكننا أن نقول إن من مسببات نفور كثيرين من اللغة العربية هو عم تقديم اللغة التي تناسب الشخص في الميدان الذي يعمل فيه، فما معنى أن تعلم شخصا مواقع التمييز، والحال وصاحب الحال، وهو ما يهمه أن يضبط نطقه الصحيح، أو مثلا أن يكون كاتبا مسرحيًّا، أو شاعرا من خارج اللغة العربية، مثل هؤلاء يحتاجون إلى مادة لغوية تحقق رغبة المستهدف من النصوص اللغوية التي تخاطبه.
كتاب اللغة العالية والتوافق مع لغة الخدمة
يمكن أن أطلق هذا التعبير مجازا وهو اللغة الخدمية، وأعني به اللغة التي تخدمنا في الموقف الذي أكون فيه أو في الحقل الذي أختصّ به، وما يقف عليه القارئ في كتاب اللغة العالية للأستاذ الباحث عارف حجاوي يتفق ما قصدي، فالكتاب مخصّصٌ لتثقيف الإعلامي لغويًّا، لا تعليمه القواعد النحوي أو الإملائية، بل كيفية استعمال القاعدة اللغوية بما يخدم الإعلامي في الموقف الذي يكون فيه، والإعلامي كما يرى الأستاذ عارف في أحد لقاءاته عليه أن يكون مثقّفا قبل أن يطلق على نفسه لقب إعلامي، بل تراه يقول إنني لا أوافق على أن تخصص الإعلامي يمكن لجامعة ان تعطيه إياه، بل هو الذي عليه أن يبني نفسه بصورة ما كان يعرف سابقا بأن يعرف شيئا عن كل شيء، وكتاب اللغة العالية يعطيه شيئا عن كل شيء، الكتاب يجمع بين المعجمية، والبحث اللغوي، وهذا يجعلنا نستذكر كتاب مفاتيح العلوم.
العلاقة بين اللغة العالية وكتب التراث:
ربما يكون جديدا على الباحث أو القارئ أن يعرف أن تراثنا العلمي ولاسيما في القرن الرابع الهجري، قد توافرت فيه كتبٌ حققت سمة الخدماتية اللغوي، لا تستغرب صديقي فإحصاء العلوم للفارابي، ومفاتيح العلوم للخوارزمي الكاتب، والتعريفات للجرجاني، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي، هذه الكتب أو المعاجم هي كتب خدماتية أدت دور تأمين الثقافة العامة لمن يريد أن يتعرف على العلوم في تلك الحقبة الزمنية.
هنا نقول إن كتاب الأستاذ عارف يلتقي مع تلك الكتب في خيط تأمين الثقافة العامة وخاصة اللغوية، والمتصفح لتلك الكتب ثم المتصفح للغة العالية سيرى هذا الشيء أمامه واضحا وجليًّا.
ومن هنا فإن هذه الكتب تعد ضرورة في ميدان العلوم اللغوية، ليس للإعلامي وحسب، بل حتى للطلاب في المراحل التعليمية المتعددة، علينا أن نوجد لهم كتبا لغويا تتفق والغرض من تعليمهم للغة العربية.
ويزداد هذه المطلب ضرورة مع أولئك الطلاب الذين يدرسون العربية تحت مصطلح تعليم العربية لغير المختصين مثل هؤلاء علينا أن نؤمن لهم مادة لغوية تتفق وتخصصاتهم، وهذا ما فعله أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين -رحمه الله تعالى- حيث أخبرن في إحدى محاضراته انه كان يدرس العربية لطلاب هندسة البترول فقال ماذا سأفعل هنا هل سأضع لهم نصوصا لغوية مختصة ونتحدث عن الإشكالات اللغوية التي فيها، أو هل سأعلمهم الإعلااب وهم زاهدون فيه، فقدحت في ذهنه فكرة تأليف كتاب العربية لغة العلوم والتقنية الذي سنحدثكم عنه في مقال قادم إن شاء الله.
هذا الكتاب كان عبارة عن توظيف اللغة لخدمة التخصصات العلمية، ويعد أول كتاب في ميدان المصطلحية العربية، حيث تحدث عن تاريخ كتابة المصطلحات العلمية، وكيفية استعمال علم الاشتقاق المنتمي لحقل الصرف في توليد المصطلحات الجديدة الموافقة للتخصصات العلمية.
وهذا ما نراه في كتاب اللغة العالية حيث حاول المؤلف أن يجمع أكثر الصور اللغوية التي تهم الإعلامي في حواراته، أو تقاريره، أو قراءاته الإخبارية. حيث نجد مواضع تذكر معاني الكلمات، ومواضع أخرى تؤصل لقاعدة نحوية، ومواضع يؤثل لكلمات أعجمية أي يذكر الكلمة الأعجمية ويشير إلى معناها الأصلي في اللغة التي أخذ منها، ثم يذكر التغير الذي حصل عليها عندما دخلت إلى لغتنا العربية.
أين نصنف كتاب اللغة العالية:
في تراثنا العربي وفي زمننا المعاصر يوجد مصطلح اسمه المعجم المصطلحي العام أو المعجم المصطلحي متعدد الحقول، أي الذي يوجد لك كلمات متنوعة تنتمي إلى حقول علمية مختلفة ويعرفها لك، فأرى أن هذا الكتاب يندرج تحت ما يطلق عليه معجم مختص عام وأعني بهذا المصطلح أن المعجم الذي كتبه الأستاذ عارف يحقق الثقافة العامة من خلال كلمات تنتمي لحقول متعددة.