وفاة رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق ولمحة عن علمه وثقافته

في 20-3-2022- رحل من دنيا الفناء إلى عالم البقاء الطبيب الأستاذ الدكتور مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي أكرمني الله بالعمل تحت إدارته للمجمع ثلاث سنوات ونيف، كنت أتعلم منه ومن تبحره في شتى فنون العلوم، فما من فن علمي إلا وتراه يتكلم فيه وكأنه من أهله ويشهد على ذلك مجالس استقباله لأعضاء المجمع الذين كانوا من تخصصات متنوعة فكان يستقبل كل عضو بكلمة في التخصص الذي يتقنه عضو المجمع الجديد، ولقوة كلماته وغرابة معرفته بهذه التخصصات أفرد المجمع لكلماته في استقبال أعضاء المجمع كتابا مستقلًّا.
طبيب القلب الذي يعد من أوائل أطباء جراحة القلب في سورية الذي درّس الطب بالعربية وكذلك علّم طلابه أصول اللغة اللاتينية التي كان يتقنها وحدثني عن تدريسه لطلابه ليس للمصطلحات اللاتينية وحسب، بل لأصول التركيب اللغوي لمصطلحات علم الطب باللاتينية. هذا عدا عن إتقانه للإنكليزية والفرنسية وتكلمه بهما وكأنه من أهلها.

نصائحه لمن يريد تعلم لغة أجنبية

طلاقة لسانه بالإنكليزية وطريقة تفكيكه لأصول المصطلح في لغته التي أتى منها تجعلك تذهل من سرعة البديهة والذاكرة الحاضرة وقوة الملاحظة التي كان يتمتع بها.سألته مرّةً يدلني على طريق لتعلم اللغة الإنكليزية فقال لي سأعطيك تجربة شخص تراه أمامك الآن وانت معجب بلغته الإنكليزية، قال لي أنا على فكرة تعلمت الثانوية بالفرنسية والإنكليزية كانت لا حقة، وليست سابقة لها، ثم أعطاني المنهج الآتي:
قال: إذا كنت تستيقظ باكرا ففي الساعة السابعة تذاع أفصح نشرة أخبار باللغة الإنكليزية على البي بي سي، عليك أن تسمعها ساعةً كاملة، ثم قبل أن تنام اقرأ كل يوم مقالا من صحيفة إنكليزية معتبرة؛ لأن الاسلوب والكلمات التي ستجدها في الصحافة لن تقف عليها في الكتب الأكاديمية، وقال لي إياك أن تفتح المعجم عندما تعجز عن فهم كلمة من الكلمات في المقال بل اصبر، ومع تراكم المخزون اللغوي في دماغك ستبدأ بفهم المعنى من السياق، ومع تكرار ورود الكلمة في أكثر من مقال وفي عملية تراكمية ستجد نفسك مدركا لكثير من معاني اللغة دون الاستعانة بأي معجم، وبعد ستة أشهر تعال وقارن بين مستواك باللغة اليوم، وبين مستواك بعد الأشهر الستة.

سماته الشخصية:

كان أنيقا في لباسه وحضوره وكلامه ذوّاقا في اختيار ألفاظه، تدخل إليه مغضبا وتخرج راضيا متعلما.
أما عن مواعيده فكل من عرفه يوقت ساعته على ساعة الدكتور المحاسني لمدى التزامه بالوقت، وإذا أعطاك وقتا لزيارته، يمتنع عن استقبال أي أحد في الوقت الذي أعطاك إياه حتى ولو كنت في عمر أحفاده.
وأما عن سعة معرفته واطلاعه فمرة سألته في مكتبه عن كيفية إتقانه و معرفته لهذه الفنون، فقال لي: إنه شغف المعرفة وقال: انظر ماذا أتعلم هذه الأيام، وماذا أريد أن أعرف، وإذ بكتاب على طاولته عن أصول الموسيقا قال لي الآن أنا مشغول بهذا الفن العلمي.
إذا تحدثت عن الأتاكيت فهو أستاذ فيه بل طبع من طباعه بلا تكلف ترى عنده الأمور منظمة كلاما وكتابة حتى التوقيع كان له قلمه الخاص الذي لايقبل التوقيع إلا به.
هكذا هم الرجال الكبار الذين غابوا ورحلوا وتركوا فينا أثرا لا ينسى مع توالي الأيام، ورأينا فيهم معاني الرجولة والإنسانية ماثلة أمام أعيننا وهذا عرفه كل من عمل معه عن قرب، رحمك الله دكتورنا وأستاذنا العالم مروان المحاسني، وجمعنا بك في جنة عرضها السماوات والأرض.

لمحة عن حياته:

ولد الدكتور مروان المحاسني في العاصمة السورية دمشق سنة 1926، ونال شهادة الثانوية من إحدى ثانويات دمشق سنة 1943 حصل على شهادة الطب سنة 1951، ومن جامعة باريس حصل على اختصاص الجراحة سنة 1955. وجمع مع شهادة الطب شهادة في الآداب سنة 1958 بعد انتسابه لكلية الآداب وذلك بعد عودته من باريس.

وتبع ذلك حصوله على شهادة الأستاذية من جامعة باريس سنة 1962، وبعد فترة من التدريس في جامعة دمشق قدم استقالته سنة 1979 ثم سافر إلى السعودية وعمل أستاذًا للجراحة في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ثم عمل مديرًا للتعليم الطبي في مستشفى الملك عبد العزيز.

صار عضوا منتخبا في مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1979 خلفا للدكتور أسعد الحكيم، ثم انتُخب نائبا لرئيس المجمع سنة 2005، وفي عام 2008 انتخب رئيسا لمجمع اللغة العربية، وجدد انتخابه لفترتين تاليتين، إلى أن وافته المنية في هذا العام بتاريخ 20-3- 2022-رحمه الله تعالى-

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك (الكوكيز). بمواصلة تصفحك للموقع سنفترض أنك موافق سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع. موافق قراءة المزيد