الفارابي وكتاب إحصاء العلوم نظرة تعريفية موجزة | الدكتور محمد خالد الفجر

اليوم سنقف مع كتاب لشخصية علمية عالمية استطاعت أن تصل العلوم ببعضها وأن تنجز معرفة ناتجة عن الاحتكاك الحضاري بين الأمم، سنقف اليوم مع الفارابي العالم المسوعي الذي استطاع أن ينقل المعرفة عبر عدة كتب جمعت بين اللغة والفلسفة والموسيقا.

وسنبدأ مقالنا عن هذا العالم بلمحة موجزة عن حياته

لمحة عن حياة الفارابي (ت 339 هـ):

أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي، ولد سنة 260 هـ في فاراب في إقليم تركستان، وتعرف اليوم باسم كازاخستان،

سُمّي الفارابي “المعلم الثاني” نسبة للمعلم الأول أرسطو والإطلاق بسبب اهتمامه بالمنطق لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية.

خاض مجال المعرفة في عدة علوم، مثل: الرياضيات، والآداب، والفلسفة، واللغات. وقد نشأ في بغداد وتنقل بين مصر والشام ، وكان يتقن اليونانية، وكثير من اللغات الشرقية، ألف قرابة مئة كتاب في فنون المعرفة المتنوعة.

كان يميل إلى الاختلاء بنفسه، ولا تغره الزخارف ولا بهرجة المساكن، وكلن يحب الجلوس بجوار المياه والخضرة.

بعد أن عرضنا عليكم لمحة موجزة عن حياة الفارابي سننتقل بكم الآن إلى الكتاب الذي سنخصه بالعرض لما له من أهمية خاصة ضمن مؤلفات الفارابي، ولأنه يعد لبنة في منظومة البناء التصنيفي العلمي العربي الإسلامي، إنه كتاب إحصاء العلوم.

تعريف موجز بالكتاب:

عندما بدأت المعرفة العربية او لنقل الحضارة العلمية الإلامية بالتشكل بعد مرور القرن الهجري الأول، والثاني، ثم الثالث الذي يعد عصر النهضة المعرفية الإسلامية، صار لا بد لهذه العلوم من تصنيفي بحدد العلاقة المنهجية الرابطة بينها، ومن هنا فإننا وجدنا البداية مع الكندي في رسائله الفلسفية التي عرف فيها بكثير من العلوم ومصطلحاتها، ويمكننا أن نقول إن المرحلة الثاني التي تعد نقطة تحول في مسار التنصيف العلمي الإسلامي، كانت مع المعلم الثاني الفارابي في كتابه إحصاء العلوم.

وقد أطرى العلماء هذا الكتاب وخلعوا عليه أعلى الألقاب فنجد صاحب كتاب أبجد العلوم يقول عنه: “وصنف كتابا شريفا في ‌إحصاء ‌العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه أحد ولا ذهب أحد مذهبه ولا يستغني عنه أحد من طلاب العلم”.

الغاية من تأليف الكتاب:

كانت الغاية من تصنيف هذا الكتاب هي تعريف طالب العلم بالعلوم التي كانت موجودة في زمن الفارابي حيث تحدث في كتابه عن نحو عشرين علمًا، وقد تحدث الفارابي ذكر الفارابي في مقدمة كتابه أن الغاية منه: “أن نحصي العلوم المشهورة علما علما”. وقد ألفه في بداية القرن الرابع الهجري

أقسام الكتاب:

احتوى الكتاب على خمسة فصول، وهي:

  • الفصل الأول: علم اللسان وفروعه.
  • الفصل الثاني: علم المنطق وأجزاؤه.
  • الفصل الثالث: العلوم الرياضية.
  • الفصل الرابع: العلم الطبيعي والعلم الإلهي.
  • الفصل الخامس: علم الأخلاق، علم سياسة المدينة، علم الفقه، علم الكلام.

هذه الفصول وضعها الفارابي ضمن علمين:

  • العلوم النظرية:

وتشتمل على العلوم الرياضية بأنواعها والعلم الطبيعي والعلم الإلهي.

  • العلوم العملية:

وتشتمل على علم الأخلاق وسياسة المدينة، ثم علم الفقه،و علم الكلام

وقد علّل الفارابي سبب اختياره البدء بعلوم دون أخرى فعلم اللسان عند كل الأمم يعد الأداة لتصحيح ألفاظها، وتقويم عباراتها، وأما عن تقديمه لعلم المنطق على باقي العلوم فلأن علم المنطق”يعطي جملة القوانين التي شأنها أن تقوّم العقل وتسدّد الإنسان نحو طريق الصواب”.

ووفق ما قال عثمان أمين فإن الفارابي كان ينظر إلى علم المنطق ويعده رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها.

الكتب التي أخذت منه وجعلته نواة لها:

يقول عثمان أمين إن هذا الكتاب أصبح فيما بعد نواة للعديد من الكتب التي ألفت في الموضوع نفسه، وذكر منها:

  • “رسائل إخوان الصفاء” التي ظهرت في بداية النصف الثاني من القرن الرابع الهجري.
  • “كتاب الشفاء للرئيس ابن سينا” أشبه بموسوعة للعلوم التي تكلم عنها الفارابي في إحصاء العلوم.
  • “حدائق الأنوار في حقائق الأسرار” لفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ، تحدث فيها عن موضوعات ستين علما تقريبا.
  • “إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد” لشمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري السنجاري توفي سنة 749 هـ. عرض فيها بإيجاز لطائفة كبيرة من العلوم.
  • “مفتاح السعادة ومصباح السيادة” لطاشكبرى زاده المتوفى سنة سنة 968 هـ الذي استقى من رسالة “إرشاد القاصد” وغيرها وزاد عليها في بعض المواضع.

حاولنا أن نعرض بشكل موجز لشخصية علمية ذاع اسمها في الآفاق وعبر الأزمان، وخصصنا الحديث عن كتاب له يعد من أهم ما أصدر وفق ما قال معاصروه ومن تلاهم من علماء.

 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك (الكوكيز). بمواصلة تصفحك للموقع سنفترض أنك موافق سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع. موافق قراءة المزيد