قصص من الحياة لتعليم العربية | غريب أنا وهذه حكايتي | فيديو

سنتابع مع سلسلة قصص من الحياة واليوم سنكون مع غريب عاش الغربة  يحكي لنا قصة غربته ويبين لنا أثر الغربة على حياته وكيف هي هل مفيدة ام مضرة هل نافعة أم مؤذية سنرى من خلال حكايته صورة الغربة والغريب وسنشرح كالعادة بعض الكلمات التي سترد في القصة.

القصة:

غريب أنا، نعم أنا الغريب

وَعندما أتأملُ بهذهِ الكلمةِ أرى فيها صورَ الوحشةِ وَالبعدِ وَعدمِ القبولِ من الطرفِ الذي أكونُ عندهُ.

عندما يُقالُ دخلَ غريبٌ المنطقةَ، تشعرُ كأنّ الحيَّ يجبُ عليهِ أن يكونَ متيقظًا من هذا الغريبِ، فربما يكونُ حاملًا دسائسَ وَشرورًا للمنطقةِ التي دخلَ إليها.

كلمةٌ تُثيرُ في النفسِ مشاعرَ الوحشةِ وَعدمِ التأقلمِ وَالانتماءِ.

وَسأتركُكم من الإبحارِ مع كلمةِ “غريبٍ” وَأروي لكم قصتي، أنا الغريبُ عن وطني وَعن أهلي.

يا سادةَ، أنا كنتُ من الحالمينَ في الغربةِ، لا أدري لماذا كنتُ أشعرُ أنها ستعطيني أشياءَ لا أستطيعُ الوصولَ إليها في وطني.

هذا الحلمُ جعلَني ألعبُ أنا وَأترابي لعبةَ المغتربِ الذي يعودُ من السفرِ وَيسلّمُ وَيَجتمعُ الناسُ مؤهلينَ ومرحبينَ بعودتهِ.

كنتُ أمثلُ الدورَ، وَأنا أصغرُ ولكنّني أعيشهُ كأنهُ حقيقةٌ لا خيالٌ وَحلمُ أطفالٍ.

ومرتِ الأيامُ، وَكنتُ أربطُ دراستي بغربتي، أي أنني كلما أنهيتُ دراستي بشهاداتٍ عاليةٍ، صارتْ فرصُ الغربةِ أكبرَ.

وَبدأتْ غربتي فعلاً بعدَ إنهاءِ دراستي، وَأولُ صحبةٍ مع الغربةِ الحقيقيةِ كانتْ دموعًا وَآلامًا وَعتابًا للنفسِ، وَعندما أُرغمْتُ على الخروجِ، مشاعرُ مزقتْ قلبي وَأحرقتهُ.

صرتُ أفكرُ بالانسحابِ، بالعودةِ من هذهِ النفقِ الذي دخلتُ فيهِ، ولكنّ اللهَ لهُ مقاديرهِ التي لا يمكنُ للعقلِ أن يتخيلَها.

فمعَ كلّ حرصي على العودةِ، إلا أنّ بابَ العودةِ كانَ موصَدًا دونَ عودتي، تقلبتُ على جمرِ البعدِ وَأشواكِ الغربةِ، وَصُورةُ أهلي لا تفارقُ عيني، صُورةُ أبي وَأمي وَإخوتي.

كنتُ كلما رأيتُ أناسًا مجتمعينَ أبكي، فأنا متعلقٌ جدًا بأسرتي.

ولكن بعدَ مرورِ الأيامِ وَالأسابيعِ وَالأشهرِ، بدأ لهيبُ الغربةِ يخفُ، وَبدأتْ مراكبي ترسو باطمئنانٍ في ساحةِ بلادِ الغربةِ.

وكنتُ أظنّها غربةً مؤقتةً، ولكنّها كانتْ أكثرَ أنواعِ الغربةِ إيلامًا، التي لا تعرفُ نهايتها، معَ أنّك كنتَ تظنّها لنْ تطولَ.

ألفتُ الغربةَ بعدَ مرورِ السنينِ، ولكن كلما جلستُ وحدي، وجدتُ أنّ الغربَ قد نحتَ أكرتي نحتًا، وَأمواجَهُ اقتصتْ من قلبي الكثيرَ.

أكبرُ صدمةٍ أعاني منها أنا الغريبُ أنّني إلى الآنِ ما وجدتُ بلدًا تغربتُ فيهِ يعاملني كأبنائهِ، مهما وجدتُ من ابتساماتٍ وعلاقاتٍ ودٍّ، إلا أنّني دائمًا أرى أنّ الناسَ مازالوا يرونني غريبًا عنهمْ، ولستُ منتميًا إليهمْ.

وفي المقابلِ، عندما أنظرُ إلى موطني، أرى أنّني مجردُ ذكرى بلا روحٍ وَلا طعمٍ، كالميتِ الذي يشعرُ أنهُ حيٌّ بسماعِ صوتهِ وَحسبُ، لكن لا معنى لروحهِ ولا قيمةٍ لحضورهِ.

يُنسى الغريبُ، ومن بعدَ عن العينِ لنْ يخفقَ بذكرهِ قلبٌ.

لا شكّ أنّني استمتعتُ بغُربتي من خلال اطّلاعي على الدّنيا ومعرفتي بثقافات النّاس ونظرتي المُتساوية للبشر، حيث لم يعد عندي تفرقة بين إنسانٍ وإنسان، واختفت من قاموسي عبارة “نحن أفضل، نحن أحسن”، وصرتُ أقول: “النّاس سواسيةٌ في الفضل بينهم بالأخلاق، وكلّ من يبدعُ يُمثّلُ نفسه، ولا يكون ميزةً لمجتمعٍ على حساب مجتمعٍ آخر.”

تعلمتُ من الغربة أنّ الدّنيا صغيرةٌ، وأنّ ما يجمعُ البشرَ أكثرُ ممّا يُفرّقهم، ولكنّ الإنسانَ يأبى إلّا أن يصدّقَ أنه خيرٌ من أخيه الإنسان، فيعلو عليه، وَوَهْمًا منه أنّه خيرٌ منه، مع أنّنا جميعًا سنكون تحتَ الأرضِ عما قريب.

فالغربةُ عندي نارٌ مُحرقةٌ ماحِيةٌ لكُلّ منْ وَنَكَ، وغيرُ فاتِحةٍ لكَ بابَ الانتماءِ في أيّ مجتمعٍ عشتَ غريبًا فيه. وهي معلّمةٌ ومدربةٌ على العيشِ بسلامٍ مع البشر، وكذلك تفتحُ لكَ بابَ وصْلٍ مع خالقكَ لا يغلق.

فأنا الغريبُ أقولُ يا من تُريدُ الغربةَ: إذا كنتَ ذا شأنٍ وقيمةٍ مع أهلك، وتقومُ بمعيشتكَ، وآمنًا في بيتك، فإيّاكَ أن تسمحَ لغربةٍ أن تسرقَ عمركَ وتُنهي بكَ المطافَ على رصيفِ الذّكرياتِ والنّدَمِ وقلةِ الأمل.

أمّا إذا أردتَ غربةً قصيرةً أنتَ مُتحكّمٌ بها، فتغربْ لتستفيدَ خبرةً وصَداقةً وثقافةً ومعرفةً، ولكن أبقِ يدكَ على مقبضِ البابِ، أيّ بابِ الغربةِ، كي تغلقهُ وتعودَ آفلًا بسرعةٍ إلى وطنك.

فيديو:

لشرح أهم كلمات القصة يمكنكم متابعة هذا الفيديو:

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك (الكوكيز). بمواصلة تصفحك للموقع سنفترض أنك موافق سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع. موافق قراءة المزيد