ما يؤسف له اليوم في زمننا وخاصة في منطقتنا أن كثيرا من الشباب ينقادون وراء أشخاصٍ يسمعون أقوالهم فيجعلونهم قدوة لهم في فكرهم ومعتقدهم، ويظنون أن هذا الشخص هو المالك للقول الحق لا سواه، والغريب أن أقدس نصٍّ وهو القرآن يقال عن نصه العظيم حمّال أوجه، أي أن كلماته تحمل مدلولات كثيرة تتفاوت الأفهام في إدراكها وأن هناك نصوصا فيها تقبل أن تحمل أكثر من معنى وفق لغة العرب التي نزل بها كي يشمل المجموع ويكون ملائما لعقولهم، فكيف ببشر واحد تجعلونه مالكا لقول الحق.
لو أتعبتم أنفسكم قليلا وتصفحتم كتب الفقه والتشريع والتاريخ لوجدتم أنه لا يحق لكم أن تسيدوا أحدا عليكم وأن تتبعوا أحدًا دون تمحيص وتدقيق، العصبية لقول القائل دلالة جهل وعدم تتبع لأقوال غيره ممن يملكون الصواب مثله، وإن كان رأيهم مغايرًا لمن تتعصبون له.
لولا هذه العصبيات والتقديسات لما كان واقعنا مشتتًا إلى هذا الحد ولما كثرت النعرات والخلافات بيننا، واقرؤوا في مقدمة ابن خلدون طريقة تمحيص الأقوال ووقوفه على كذب كثير من الروايات التاريخية وبيان أسباب الكذب فيها ووضع على رأسها العصبية لمن يحب الإنسان، حيث يقول: “ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار أيضا الثّقة بالنّاقلين وتمحيص ذلك يرجع إلى التّعديل والتّجريح. ومنها الذّهول عن المقاصد فكثير من النّاقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع وينقل الخبر على ما في ظنّه وتخمينه فيقع في الكذب. ومنها توهّم الصّدق وهو كثير وإنّما يجيء في الأكثر من جهة الثّقة بالنّاقلين”
فلنحترم نعمة التفكر التي وهبنا الله إياها، ولنجعل العقل والتمحيص الميزان الذي نحكم من خلالهما على ما نقرؤه ونسمعه ونراه.
يمكنكم الحصول على كتبنا بالضغط على كلمة هنا