بات التعريف الذي أطلقه ابن جني للغة مشهورًا ومتداولا في معظم الكتب والمراجع العلمية اللغوية والمتمثل بأن اللغة عبارة عن أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وكما نعلم أن لكل قوم غرضًا من وراء كلامهم، والقوم ليسوا فقط المنتمين إلى عرق أو قومية او جنسية بلد واحد بل يمكن أن يجزأ أبناء البلد الواحد إلى أقوام لغوية، فهناك قوم الأطباء الذين لهم لغة مخصوصة بمهنتهم، وقوم الزارعين، وقوم البحارة، وقوم النجارين، وهكذا ومن خلال هذه الكلمات المعدودة نكون قد شكلنا ما يعرف بلغة المهن موضوع مقالنا اليوم.
ما هي لغة المهن؟
هناك تعاريف عديدة للغة المهنية أو للغة المهن، فقد عرفها بوسمان بأنها “تنوع لغوي مع وظيفة اتصال دقيق وفعال يكون مرتبطا غالبا بالمهنة في مجالات معينة”.
وبرأي شميدت اللغة المهنية: “وسيلة الاتفاق الأمثل في مجال العلوم بين الخبراء. ويتم تحديدها بمصطلحات خاصة ومعايير خاصة لاختيار وتطبيق وتكرار الوسائل اللغوية والقواعد اللغوية المشتركة؛ إنه وهذا المستوى اللغوي لايعتبر شكلا مستقلًا من مظاهر اللغة العامة، ولكنه شكل لغوي له نصوص متخصصة لها سمات لغوية يشترك فيها مجموعة معينة من الناس”.
من التعريفات السابقة نستنتج أن اللغة المهنية أو المختصة هي عبارة عن مجموعة من الكلمات أو المصطلحات التي تحمل مفاهيم يتواصل بها مجموعة من العاملين في حقل معين من حقول العمل وهي لا تنفك عن الدائرة اللغوية العامة وإنما تمثل جزءا ذا سمات خاصة ينتمي إليها.
وهذا الكلام ورد في تعريف لوثر هوفمان الذي قال: “اللغة المهنية هي مجموعة من جميع الوسائل اللغوية المستخدمة في منطقة تواصل محدودة بشكل خاص لضمان التفاهم بين الأشخاص المشغولين في هذا المجال…”.
وقد تكون لغة المهنة عبارة عن رمز لغوي أو لنقل صوت لغوي يتم من خلاله التفاهم عبر نغمات صوتية معينة وتكون الحاجة لهذه الوسيلة ناتجة عن طبيعة المكان الذي يعيش فيه الناس الذي يلجئهم إلى إيجاد لغة مهنية تحقق التواصل والتفاهم فيما بينهم في المهنة التي يعملون بها، وكمثال على ذلك نذكر اللغة التي تستعمل في إحدى قرى الشمال التركي حيث يلجؤون إلى الصفير لإيصال الرسائل اللغوي، ومثلهم أولئك الذين يعيشون في جزر الكناري حيث يستعملون مثلهم الصفير لغة في التواصل فيما بينهم.
أهمية اللغة المهنية في ميدان العمل:
زادت الشركات في الآونة الأخيرة تأكيدها على أن يكون الشخص المتقدم للمجال الذي تعمل به مؤهلا تواصليًّا حيث تعد خبرة التواصل اللغوي من المؤهلات التي تعطي للمتقدم فرص نجاح في الوظيفة المتقدم إليها.
فكل مهنة اليوم أصبح لها منظومة مصطلحية دقيقة وتتسع مع اتساع الاختراعات، وكما هو معروف فإن الكلمات أقل من المفاهيمالتي تستجد في الحياة، ومن هنا فإن الموظّف الذي لا يتقن مصطلحات المهنة التي سيخوض غمار العمل فيها لن يكون مؤهّلا للاستمرار في العمل في الشركة التي يكون ضمن فريقها، أو لن تتاح له فرص للتقدم وللارتقاء في مكان عمله، وكذلك الشخص الذي يتقدم إلى وظيفة في ميدان ما من ميادين العمل إذا لم يكن يعرف اللغة الخاصة به فإنه لن تكون فرصته كبيرة لنيل الوظيفة.
ميزات لغة المهن:
اللغة المهنية ليست فقط مصطلحات أو مسرد كلمات، بل إن لها أيضا تراكيب خاصة، وهذا ذكره علماء لعويون كثر درسوا لغة البحارة مثلا وكيف يستعلمون لغة مغايرة للغة العامة التي يفهمها الناس وكأنها شبيهة بلغة الشيفرة التي تستعمل من قبل الجيوش في الحروب.
ومن هنا فإن لكل مهنة لغتها المكونة من الكلمات الخاصة والأساليب الخاصة التي تكون منظومة لغوية ضمن المنظومة اللغوية الكبرى، ففي العربية مثلا ستجد أن بعض المهن يستعمل أصحابها مصطلحات خاصة بهم وأذكر هنا مثى مهنة تكسير الأحجار حيث أنك ستجد كلمة عفّاس، التي تفيد معنى عفس الأحجار الكبيرة لتصغغر قليلا ثم ينقلها حزام جلدي (قشاط) بلغة المهنة إلى الكسّارة التي يكون لها دور تفتيت الحجارة الصغيرة التي وصلتها من العفّاس إلى حصوات أصغر وبقياسات معينة تغربل بغربال خاص يسمى المسرد.
وهكذا ستجد لكل مهنة كلمات خاصة بها وأساليب لغوية تعبر عنها ويفهمها أصحاب الميدان والحقل العملي الذي تستعمل فيه هذه الكلمات.
هل لعربيتنا مناهج تعلم اللغات المهنية:
للأسف لا يوجد مثل هذا الأمر في جامعتنا العربية وخاصة في كليات الآداب التي تعلم العربية، فإنك ربما تجد إشارات إليها في بعض الفصول أو بعض الاجتهادات من قبل بعض الأساتذة، ولكن لن تجد منهجا ولا في جامعة يعلم لغة المهن، ولا حتى في معاهد اللغات التابعة للجامعات العربية، على الرغم من الأهمية الكبرى للغات المهن اليوم خاصة مع العلوم التي أصبحت مسيطرة على سوق العمل اليوم مثل الأمن السيبراني، والتسويق الإلكتروني، وغيرها من المهن المستجدة في عالم اليوم والتي تتطلب منا إيجاد مناهج جديدة تراعي النقلة الحضارية العالية في ميادين المهن والحاجة الماسة إلى إيجاد كتب ومعاجم تختص بلغات المهن وطرق تعليمها.