القهوة مشروب صار مشهورا في الشّرق والغرب، ولم تبق القهوة مجرّد ماء مع بن مطحون، بل غدت تمثل حالة من الهيام بينها وبين من يداوم على شربها؛ حتى إنها يمكن ألا تفارق بعضهم، وكثيرون يبدؤون يومهم بالقهوة، قبل أي طعام.
ولكن هل تعلم أن هذه القهوة التي نشربها اليوم، كانت تعني عند العرب نوعا من الخمر يُقهي الإنسان، أي يسد شهيته للطعام، وأن القهوة التي نشربها اليوم حلالا مرّت في أزمنة بخلافات بين الفقهاء فمنهم من حرّمها ظنًّا منهم أنها تشبه الخمر؛ بسبب الأثر الذي تتركه في أذهانهم، ثم انتقلت إلى الحل ولم يعد أحدٌ يحرّمها.
في هذا المقال القصير سنذهب معكم في رحلة لغوية نتتبع فيها كلمة القهوة واستعمالاتها في الفصيحة والعامية، وسنبدأ بمعاني بعض الكلمات المرتبطة بها.
معاني كلمات:
القهوة: عند العرب قديما نوعا من الخمر، وسُميّت قهوة؛ لأنّها تُقهي الإِنسانَ. أي: تُشْبِعُه، وتذهب بشهوة الطّعام (العين)
وفي ألفاظ ابن السكيت: وسميت قهوة؛ لأن شاربها يقهي عن الطعام، أي: لا يشتهيه
فنجان القهوة: قدحٌ صغير تشرب به القهوة.
ركوة القهوة: آنية مخصوصة لإعداد القهوة. وكانت الركوة قديما عبار عن إناء من جلد يشرب فيه الماء.
البُن: هو المادة التي يصنع منها شراب القهوة؛ فقد كان يقال للقهوة شراب البُن.
ولكن يقال عنه أيضا قهوة أي قبل وضعه في الفناجين للشرب.
المقهى: مكان يجتمع فيه الناس لشرب القهوة وغيرها.
القهوجي: صاحب المقهى
أساليب عربية استعلملت فيها كلمة القهوة:
وردت كلمة القهوة في كثير من الصور الفنية البلاغية تشبيها لأشخاص بها، نذكر لكم الأمثلة الآتية:
- كأن فاها قهوةٌ مزّة:
المُزَّة، والمُزَّاء: الخمرُ الَّتِي تَلْذَعُ اللِّسان وَلَيْسَت بالحامِضَة
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: التمزُّز: شربُ الشَّرَاب قَلِيلا قَلِيلا، وَهُوَ أقلُّ من التمزُّز، والمزّة من الرَّضَاع مثل المصَّة
- فلانة طيّبةُ قهوة الفم.
هنا نرى أنّ المتكلم جعل الممدوحة تشبه تلك الخمرة التي كان يتلذذ بها شاربوها، فكما أنّ الخمرة يشعر بلذتها من كان يتعاطاها فكذلك فإن فم هذهالمحبوبة ريقها يشبه الخمر.
وأحدهم شبّه الذي يغلبه النعاس وتراه يرفع رأسه ويخفضه من شدّة النعاس فشبه الشاعر حاله بحال ذلك الذي شرب خمرة أسكرته فقال في مصوّرًا حال هذا الرجل:
كأنَّه من الكرى الدُكاسِ
بات بكأسَيْ قهوةٍ يُحاسي
والداكِسُ: لغة في الكادِسِ، وهو ما يُتَطَيَّرُب به من العطاس والقَعيد ونحوهما. والدَوْكَسُ: العدد الكثير، واسمٌ من أسماء الأسد. (الصحاخ في اللغة والعلوم).
- قهوةٌ ملْساء:
ذكر الزمخشري أن العرب تستعمل كلمة قهوة مجازا فيقولون: “قهوةٌ ملساء”، أي سلسة الجَرْع (الشرب).
أشكال القهوة عند الشرب:
تشرب القهوة بثلاث طرق:
- الساده، وكملة ساده فارسية عربتها العرب بساذج، وهي التي تستعمل للدلالة على اللون الواحد الذي لم يختلط بشيء، ولهذا يقال قهوة سادة أي لم تختلط بالسكر، أو التي يمكن أن نقول عنها غير المُحلّاة.
- الوسط: وهي التي يوضع فيها القليل من السكر مع البن والماء.
- الحلوة، أو المحلّاة بالسكر: وهي التي تتكون فيها كمية السكر كثيرة مع القهوة، ويقال لها قهوة بالسكر، أو قهوة حلوة.
وعند العرب نوعان: تركية وهي التي تُغلى في ركوة القهوة مع الماء ، والعربية (الــمُرّة) التي لها طقوس خاصة بها من: تحميص البن ووضع حب الهال وطريقة شربها ويختلف مذاقها بين بلاد الشام والخليج.
تراكيب عامية تستعمل مع كلمة القهوة:
هناك كلمات خاصة بالقهوة، تستعمل في اللهجات العربية العامية، نذكر منها، الآتي:
مثلا يقول عامة العرب: طقم قهوة: ويقصدون به كلّ شيء كامل من الأدوات وفق ماذكر أحمد تيمور في معجمه (معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية).
فطقم القهوة هنا أي الذي يكون كامل عدد الفناجين ويكون عادة 12 فنجانا مع ركوة القهوة (دلة القهوة) أحيانا.
حاولنا أن نوجز لكم في عرض كلمة القهوة، في مقال خفيف لا يثقل عليكم القراءة، ولا يتعبكم في الوصول إلى المعلومة، وأخيرًا نقول: يا عُشّاق القهوة: مصطلح صار منتشرا في زمننا وتستحق هذه القهوة أن تكون معشوقةً تعرفون لماذا؟
لأنها تعدِّل المِزاج وكلّ من يفهم على مِزاجك، فحقُّه أن يُعشَقَ ويُدلّل ويُحب.
جعل الله مزاجكم كله سعادة، وبقيت قهوتكم لذيذة معدلة لمزاجكم، وسنتابع معكم -إن شاء الله- في مقالات قادمة رحلاتنا اللغوية مع معاني كلمات جديدة.